نجيب محفوظ ..طبيباً
بقلم د.فكرى الطرزى
طبيب مصري حتى النخاع ، ُولد في أسرة مسيحية في أواخر القرن التاسع عشر، كان مولعاً بالطب منذ نعومه أنامله التي أنقذت حياة آلاف المصريين .
اقتاده شغفه العلمي لشد الترحال من مدينة المنصورة حيث ُولد، حتى وصل إلى القاهرة حيث التحق بكلية الطب، التي كانت تعرف حينذاك بمدرسة القصر العيني الطبية.
كان الطبيب الـُهمام على موعد مع القدر، حين ضرب وباء الكوليرا أرض الكنانة في مطلع القرن العشرين. الطبيب المصري لبى نداء الإنسانية و الوطنية ، حين كان في عامه الأخير في كلية الطب، ليتطوع قبل تخرجه سنة 1902 و يواجه هذا الوباء القاتل في صعيد مصر الفقير .
كان الطبيب قاب قوسين أو أدني من التخرج وهو في عامه العشرين، لكنه ارتحل إلى قرية” موشا ” بأسيوط ليؤدي مهمته الإنسانية والطبية، وهناك نجح الطبيب الناشئ في كشف مصدر الوباء وهو بئر ماء ملوث في منزل أحد الفلاحين، فأنقذ آلافاً مؤلفة من الموت المحقق .
تحقق ُحلم الطبيب ونال شهادته الجامعية وعُين في القصر العيني ، ومن ثم أنشأ عيادة ً خارجية للنساء والولادة وأشرف من خلالها على إجراء الولادات المتعسرة وقام بإجراء ما يزيد عن ألفي ولادة منزلية .
سيرة الطبيب الحسنة وصلت إلى مسامع إمرأة ُتدعى فاطمة، وهي إبنة الشيخ مصطفى قشيشة الأزهري، وكانت فاطمة تعاني من حمل عسير وتنتظرها ولادة ٌ متعثرة، حملت جنينها وهنا ًعلى وهن وحملتها قدماها كذلك للطبيب المسيحي ، وكان بعد العسر يسراً، ووضعت فاطمة مولودها في ديسمبر 1911.
عرفانا ًمنها بصنيع الطبيب ، قررت فاطمة أن تطلق اسمه على مولودها ( حفيد الشيخ الأزهري ) ولم تأبه الأم بعقيدة طبيبها ولا ديانته .
هذه الرواية ليست من نسيج خيال الكاتبة ، ولكنها صفحة ناصعة من تاريخ الوطن، فالطبيب المصري المسيحي هو الدكتور نجيب محفوظ مؤسس طب النساء والولادة الحديث في مصر ( 1882 – 1974) وفاطمة بنت الأزهري التي أسمت مولودها تيمنا ً بطبيبها المسيحي هي والدة الروائي والأديب المصري نجيب محفوظ ( 1911- 2006. ) وهكذًا ُسمي نجيب الأديب تيمنا ً بنجيب الطبيب ولم تر الأم فاطمة ولا زوجها الموظف البسيط عبد العزيز إبراهيم أي غضاضة في تسمية مولودهما على إسم الطبيب المسيحي الذي أنقذ حياة الأم و طفلها .
لربما نروي هذه القصة على سبيل أن نذكر أنفسنا أن هناك نقاطا ًبيضاء في لوحة التطرف والطائفية القاتمة ، لربما نرويها لـُنعلم أولادنا أن التعصب الديني يفسد قدرتنا على التعايش ، فوباء الكوليرا حين ضرب مصر لم يضرب المسلمين دون المسيحين ، والقضاء على الوباء عم بالصحة على الجميع على اختلاف عقائدهم و حين تطوع الطبيب المصري لإنقاذ الأرواح لم يهتم أحد بمعتقده ، كما ُنعلم أولادنا أن امرأة ًمسلمة من عامة الشعب انكشفت على طبيب مسيحي بالرغم من فتاوى كثيرة متعصبة في تلك الآونة
إن كنا نروي قصة فاطمة الأزهري و طبيبها المسيحي على سبيل نشر واقعة إيجابية لنعلم أولادنا من خلالها أن الدين لله و الوطن يتسع للجميع و أن قيمة التعايش تبني الأوطان .