بقلم الدكتور- طارق الخولى
قد يصيب المريض من الوهن ما يجعله غير قادر على أن يرفع يديه أو جسده عن “سرير” الكشف بل انه يُسلّم جسده كله للطبيب سواءاً وضعته يميناً أو يساراً فلا يسألك لما فعلت ولا يعاتبك على ما لم تفعل ولكنه في قرارة نفسه يصر على عدم الاستسلام.
بل أكثر من ذلك فهذا المريض له “أنة” غريبة ومؤلمة لا يستطيع أحدٌ أن ينساها وهي صادقة ونابعة من القلب ودالة على عظم المرض الذي هو فيه وقد أكل من جسده ما أكل وشرب منه ما شرب والنادر ان المريض اليائس تماماً هو الذي قد “يلح” عليك أن يسلمك نفسه لكي تسلمه للموت بدلاً عنه وتخلّصه من هذا الزائر الكاسر الذي تمكن منه فلا يكاد ينتهي من شئ الا ويمسك في الشئ الآخر والا لما سلمك جسده بهذه السهولة وقليل ما نرى ذلك.
والطبيب عندما يتحدث مع هذا المريض بالذات يجد أن المرض قد يكون له مسمىً آخر فهو قد سيطر وهو قد انتشر وهو فعل بالمريض ما فعل وأذكر أحد مرضى الأورام في مرحلة متأخرة قد أصابه المرض الكثيرُ في كل أعضاء جسده فما منه الا أنه يصرخ من الألم اذا مسه أحد أو لمسه وكنت أحدّث نفسي أن المرض درجات ودركات فما نعرف منه الا قليل وما نعرف عن كل مرض الا قليلاً أيضاً وقد تتبدل يوما ما نظرتنا الطبية الى مرض معين فنجد أن التعامل معه من البداية كانت تنقصه بعض الأمور.
والمرض لا يفرق بين وزير وغفير وغني وفقير ولا أظن المرض اختلف عن قديم ولا سيختلف عن جديد ما دام الانسان هو الانسان في خلقه وخُلقه وقوته وضعفه ومازال المرض لا يستطيع أن يسلب منه الا سمعه وبصره وقوته وبأسه وصحته وشهوته أما من دون ذلك فلم يتغير ولن يتغير.
كيف يكون التحدي؟
المرض غير قادر على أن يسلب البشر عزيمتهم أو ارداتهم وما زال المرض يُقهر بالتحدي والصبر فهما عصيّان عليه ولا يجد لهما مسلكا وهذا ما فهمناه ورأيناه من المرض وعن المرض وأشد الأمراض حتى الآن هي الأورام بكل ما فيها من قسوة وخبث واذا تحدثت مجازاً الى الورم فستجد أنه أخبث الخبثاء فعلياً لأنه يُبطن عكس ما يُظهر ويستغل أي وسيلة حتى يصل الى غايته في تدمير الانسان.
والانسان أمام الأورام لا حيلة له فهي ليس لها “كتالوج” أو “أجندة” معروفة فلها أجندتها الخاصة فيما تفعل وقد رأينا أناساً كانوا جبابرة في الطول والعرض ولكنهم أمام الأورام قد خسروا طولهم وعرضهم بلا أدنى سبب.
وأوصي نفسي وغيري أن نراعي هذه المرحلة فلا نقسو على مريض لذنب لم يفعله ولابد أن نستمع الى أهاته وتألماته فهي جزء من “الفيزيتا” التي نقبضها أما ثواب ذلك فله أجر كبير عند الله لأنّ كثير من هؤلاء يكون الأهل قد وصلوا معهم الى درجة كبيرة من عدم التحمل تجعلهم لا يتحمّلون كلمة من المريض ولا يقبلون فضلاً عن التكلفة المادية التي يعانون منها.
ويقول العارفون بالمرض أنه ابتلاء للمؤمن وبلاء للعاصي وهو حزن لمن يكفر وبشر لمن يتقرب الى الله وهو الصبر ومفتاحه بين يديك فاصبر كما قال في كتابه الكريم “فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ”.
د. طارق الخولي
استشاري القلب – معهد القلب
[email protected]